مجرد الوصول إلى حي العاشر من رمضان تنقبض الأنفاس من ثرثرة الأحاديث الجانبية التي تدور بين راكبي المواصلات المؤدية إلى المكان، يتساءل بعضهم عن الطفلة “مروة” التي لاقت مصرعها صعقا بالكهرباء ليلة أمس بسبب ماس كهربائي بأحد أعمدة الإنارة ناتج عن سقوط الأمطار الغزيرة، جزء منها صحيح والجزء الآخر مغلوط، تتزايد ملامح الحزن على طول الطريق المؤدي إلى بيت العائلة بمنطقة “المجاورة 46” حتى يكتمل مشهد الحزن بمشهد الرجال المصطفين أمام البيت يتلقون واجب العزاء في الفقيدة، بينما يعلو صوت آيات القرآن من شرفات المنزل بقوله تعالى “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ” كرسالة إلهية لتطفئ نار قلوبهم قليلا.
والدة مروة: بنتي راحت بعد ما قعدت تلت ساعة في المياه متكهربة لحد ما تم انتشال جثتها بالجرار
في الدور الرابع من بيت العائلة، حيث ألقت أسرة مروة النظرة الأخيرة عليها قبل أن يواري التراب جسدها الصغير، جلست والدة الصغيرة صاحبة الـ9 سنوات، وسط المتشحات بالسواد، تبكي صغيرتها التي لقيت مصرعها أمس صعقا بالكهرباء من أحد أعمدة الإنارة بمنطقة سكنها ابني بيتك بالعاشر من رمضان، أصبحت لدى كل من تابع الفيديو المأساوي لانتشال جثتها أيقونة وشهيدة للأمطار.
الأم التي لم تجف دموعها لحظة، تتحدث والصدمة ما زالت بادية على وجهها، تروي لـ”الوطن” في انهيار شديد قصة وفاة صغيرتها، أثناء عودتها من المدرسة إلى منزلها بمنطقة “ابني بيتك” في العاشر من رمضان، “صاحبتها جات حكت لينا، كانوا راجعين من المدرسة، حاولت تنط بعيد عن المياه عشان متقعش في البقعة الكبيرة، سندت على عمود الكهرباء اتكهربت ووقعت في المياه ومحدش قدر يلحقها”.
داخل المنزل، ووسط الصريخ تعاود والدة مروة الحديث لـ”الوطن”، وفي كل مرة يزداد الألم، وهي تتخيل كيف راحت صغيرتها ضحية لبضعة أمطار، تنهار الأم قائلة: “مروة قعدت تلت ساعة في المياه متكهربة، لحد ما تم انتشال جثتها بالجرار”، الأم التي هرولت إلى المستشفى على أمل محاولة إنقاذ صغيرتها، وقفت أمام تأكيد الأطباء وفاتها صعقا بالكهرباء، تصرخ من آن لآخر “بنتي راحت” فيتعالى صراخ من حولها مطالبين بمحاسبة كل مسؤول تسبب في وفاة مروة.
والد الطفلة: عقبال ما وصلنا بيها المشتشفى كانت ماتت.. وأبواب البيوت في المنطقة مكهربة بسبب مجاورة أعمدة الإنارة للمنازل.
تفاصيل المشهد المأساوي، الذي وثّقه أحد أهالي مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، وتداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي للحظة اتنشال “لودر” لجثة مروة من مياه الأمطار بعد صعقها بالكهرباء، لم يغب عن ذاكرة والدها صادق الذي وصف لحظات سماع الخبر من صديقتها التي كانت تصاحبها بعد عودتها من الدرس الخصوصي بـ”الفاجعة” وفي طريقه إلى موقع الحادث مهرولاً مرت الدقائق القليلة كالدهر يحاول تهدئة نفسه المضطربة بأنه سينقلها إلى المستشفى وتعود معه إلى حضنه وسط إخوتها الثلاثة، ليفاجأ بها ملقاة وسط المياه المكهربة وبقيت فيها لمدة نصف ساعة لم ينتشلها سوى جرار حملها بعيدا خارج الماء، حسب قوله، “لما روحنا بيها المستشفى كانت ماتت”.
“عملنا محضر بالواقعة والشرطة تعاطفت معانا وخلصوا لينا الإجراءات بسرعة”، استكمل الأب الذي احتبست دموعه في عينيه خلال حديثه عن الليلة التي ستظل محفورة في ذاكرته إلى الأبد، مؤكداً أنه لم يكتف بإبلاغ الشرطة فقط بل أبلغ الكهرباء بأن أبواب البيوت في المنطقة مكهربة بسبب مجاورة أعمدة الإنارة للمنازل.
أمنية شقيقة ضحية الصعق تحت المطر: ماما قالتلها استني لما المطر يهدا “قالت لا عايزة أروح الدرس”
“ماما قالتلها استني لما المطر يهدا قالت لا عايزة أروح الدرس”، بهذه العبارة بدأت أمنية شقيقة مروة في سرد الساعات الأخيرة لضحية الأمطار، فالجميع كان يحاول معها عدم الخروج إلا أنها أصرت وكأنها على موعد مع مصيرها.
لم تستوعب الأخت الأكبر لـ”مروة” حقيقة صراخ والدتها والسيدات في المنطقة إلا بعد أن روت صديقتها “شمس” التي كانت تصحبها الواقعة فانتقلت الأسرة على الفور إلى موقع الحادث القريب من المركز الذي تحضر فيه الطفلة الصغيرة دروسها الخصوصية، “لولا الناس جابت البلدوزر رفعها من المياه”.
والد “شمس” صديقة الضحية: لا يزال جسدها يرتعش من الصدمة.. ومروة ماتت بين أيدينا ملحقناش نسعفها
مسافة لا تزيد عن 15 دقيقة بالسيارة الأجرة من بيت العائلة في المجاورة 46 إلى بيت الأسرة الرئيسي في منطقة “ابني بيتك” تخللها في منتصف الطريق السنتر التعليمي الذي كان شاهدا على الواقعة، المياه لا تزال موجودة في الشارع، ولكن بعمق أقل، يتوسطها عمود الإنارة الذي لاقت “مروة” مصرعها أمامه، لم يطرأ عليه تغيير سوى إحاطته بعازل الكهرباء لاصق، الهدوء يسود المكان وكأن المباني صامتة حزناً على الفقيدة.
محمود إبراهيم، والد “شمس” التي أخبرت عائلة مروة بما حدث، أكد أن والدها عندما وصل إلى مكان الحادث وضع يده على قلب ابنته فأخبر الجميع أن قلبها لا يزال ينبض، “كان عنده أمل تكون عايشة بس هي كانت ماتت”، حسب تعبيره.
ابنته “شمس” لا يزال جسدها يرتعش من الصدمة، امتنعت عن الحديث عن تفاصيل الحادث البشع، ليكمل والدها لـ”الوطن” قائلا: “روحت معاهم لمستشفى السلام الخيري بمنطقة الـ39 بعيدة عن البيت حوالي 12 كيلو معرفناش نعملها إسعافات أولية واتوفت بين ايدينا”.