أكد الأستاذ محمد صالح اكليم رئيس الهيئة الوطنية لناشري الصحف بالمغرب، المعروفة اختصارا ب ” أونيم”، على ضرورة صيانة المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حرية التعبير وحقوق الإنسان، منوها بالعلاقات المتينة التي تجمع بين الهيئتين الوطنيتين لحقوق الإنسان وناشري الصحف بالمغرب.
وابرز رئيس الأونيم في كلمة بمناسبة انعقاد ندوة الإعلام وحقوق الإنسان، التي نظمتها الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، بتعاون مع الهيئة الوطنية لناشري الصحف، يوم الأربعاء 27 نونبر الجاري بالرباط، تحت عنوان :” أيه استرتيجية لترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان في المجتمع”، ـ أبرزـ أهمية الإعلام في وقتنا الراهن، باعتباره سلاحا قويا ومؤثرا في القرارات الدولية والوطنية والمحلية، ودوره الطلائعي في صنع رأي عام، بالإضافة إلى كونه وسيلة للتثقيف والتوعية والإخبار، ومنصة لفضح الاختلالات والتجاوزات، وكل مظاهر الفساد التي تعتري تدبير المرافق العمومية من إدارات ومؤسسات ومجالس منتخبة، داعيا إلى بدل المزيد من الجهود للتحسيس بخطورة سوء استعمال وسائل الاتصال الاجتماعي التي غزت العالم في ظل الُثورة التكنولوجيا الحديثة، مؤكدا على ضرورة تأهيل العاملين في قطاع الصحافة والإعلام وتمكينهم من آليات الاشتغال، وتمتيعهم بهامش أوسع من الحرية دون فرض وصاية ولا رقابة عليهم للقيام بواجبهم، بما يتماشى وحقوق المواطن في المعرفة، والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب، والكف عن تلفيق التهم للصحافيين بغاية تكميم أفواههم والحيلولة دون الصدع بالحقائق ونشر الوقائع كما هي دون تحريف ولا تغيير.
من جانبه، أوضح الأستاذ نبيل غزة رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في كلمته في افتتاح أشغال هذه الندوة التي تندرج ضمن البرنامج السنوي للأنشطة الخاصة بالهيئة أنها ترمي إلى المساهمة في تعميق النقاش و الحوار المجتمعي حول بعض المواضيع الراهنة، واعتبر أن الندوة مناسبة لتعميق النقاش حول مسار الإصلاحات التي يخوضها الملك محمد السادس، و بالأساس التربيةّ، باعتبارها رهان يمكن أن يؤسس لثقافة جديدة تساهم في حفظ المكتسبات الديمقراطية و الحقوقية. ومن ناحية أخرى أو من وجه آخر للعملة لحقوق الإنسان، التي تمثل شأنا مهما بالنسبة لجميع وسائل الإعلام.
واعتبر السيد غزة مبادرة الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بتنظيم هذه الندوة حول موضوع الإعلام وحقوق الإنسان بتعاون مع الهيئة الوطنية لناشري الصحف مناسبة لطرح الإشكاليات الموجودة في إطار العلاقة بين الإعلام و حقوق الإنسان بالمغرب في ظل الألفية الثالثة، و السبل والآليات الممكنة بين المؤسسات الإعلامية و الهيئات و المؤسسات الحقوقية، متسائلا هل:” الإعلام و حقوق الإنسان يقومان بواجبهما من أجل صون المكتسبات الحقوقية و الديمقراطية وكذلك فضح الانتهاكات التي يتعرض لها الناس؟.
خلال هذه الندوة التي سيرها الصحافي محمد بلغازي تناول كل من الدكتور خالد الشرقاوي السموني رئيس مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية والرئيس السابق للمركز المغربي لحقوق الإنسان، و الأستاذ سعيد الريحاني رئيس تحرير جريدة الأسبوع الصحافي، والصحافي والمحلل السياسي والناقد الأدبي والفني والكاتب الاجتماعي الأستاذ محمد أديب السلاوي، أهم الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان وعلاقتها بالإعلام، مبرزين الدور الذي لعبته الصحافة في فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب خلال سنوات الرصاص، والكشف عن مصير المختطفين والمحتجزين قسرا بالسجون والمعتقلات السرية وعلى رأسها معتقل تزمامارت ودرب مولاي الشريف والكاب وقلعة مكونة، وغيرها. داعين إلى ضرورة تنقية الساحة الإعلامية من الطفيليات وتشذيبها من الشوائب ومحاربة اللوبيات المسيطرة على دواليبها.
واجمع المتدخلون على أن وسائل الإعلام و الاتصال غدت في عصرنا الحاضر في صلب بنيات الحياة اليومية. وهي بأشكالها و تقنياتها الحديثة و المتطورة أبعد من وسائل للتخاطب و الحوار و التبادل، لأنها عطاء من الذات و لغة مشتركة بين البشر و ثقافة تشمل جميع جوانب الحياة الفكرية و الاجتماعية، و تمهيد للقاء واسع بين ثقافات الأمم و الشعوب في إطار ثقافة عالمية واحدة و متنوعة، تأكيدا لواقع العولمة الناشئة.
وأضاف الأساتذة المتدخلون انه يمكن ملامسة أهمية هذه الوسائل من خلال المهام العديدة التي تقوم بها، لكونها تشكل النشاط الثالث في حياة الإنسان المعاصر اليومية، و الأداة الأولى للمعرفة و التسلية. وهي إلى ذلك تتميز بقدرة على قولبة أنماط السلوك الفردي و الجماعي، و بتأثير مباشر على تقدم الشعوب، لكونها أيضا شرطا من شروط التنمية و تكوين الرأي العام، أساس الممارسة السياسية الديمقراطية التي بها ترتقي هذه الوسائل إلى مستوى سلطة رابعة من خلال مهمتها الأساسية في مراقبة أداء السلطات الأخرى الثلاث و تقييمها، فضلا عن أن لهذه الوسائل وظائف اجتماعية أخرى تنافس فيها كلا من العائلة و المدرسة و المؤسسات الدينية في تربية النشء، وبناء “الحقيقة” الخارجية من خلال اختيارها المواد الإعلامية، وكيفية معالجتها وتقديمها، حتى بات يظن أن ما لا تقره وسائل الإعلام صراحة يبدو وكأنه لا معنى له ” أو كأنه غير موجود”.
وبهذا الخصوص يقول الأستاذ عبد الرحمان البدراوي الصحافي والفاعل الحقوقي :” لا يخفى أن الصحافة أو الإعلام بكل أشكاله يعد سندا حاسما في التربية كرهان لبناء ثقافة جديدة تفتح الآفاق لتحصين الديمقراطية و حماية حقوق الإنسان و الارتقاء بها، و لم يكن بمقدور هذه الوسيلة أن تنال هذا الاهتمام لولا الإمكانيات التأثيرية التي توفرها خلال مخاطبتها لشرائح واسعة من الجماهير حيث بوسعها تبصير و تنوير و توسيع مدارك الناس بأمور حياتهم و جوانبها السياسية”.
وأضاف البدراوي، أن حماية حقوق الإنسان على مدى عقود طويلة تعتبر شأنا هاما للمؤسسات الإعلامية على اختلاف أنواعها ومن هذا المنطق تهدف الندوة الحالية لمعالجة إشكالية ” دور وسائل الإعلام في ترسيخ حقوق الإنسان؟ و ما هي العلاقة التي تربط بينهما في ظل الألفية الثالثة؟. و تسلط الندوة الضوء على آليات الشراكة بين المؤسسة الحقوقية و الإعلاميين و هل يقوم كلا الفريقين بالمطلوب منه، لترسيخ منظومة حقوق الإنسان و فضح الانتهاكات التي يتعرض لها الناس.
هذا، وتهدف الندوة التي عرفت مشاركة وازنة لعدد من الأدباء والكتاب والفنانين والأساتذة الجامعيين والفاعلين الجمعويين النشيطين في مجال حقوق الإنسان والعاملين في قطاع الصحافة والإعلام، إلى التعرف على مدى محافظة وسائل الإعلام على مبدأ ترسيخ حقوق الإنسان، رصد الواقع الراهن لحقوق الإنسان أمام تحديات الإعلام الجديد المختلفة الأشكال، مناقشة الأسس و الآليات الكفيلة لتعزيز حقوق الإنسان عبر مختلف وسائل الإعلام المغربية، معرفة مدى تخصيص وسائل الإعلام المغربية برامج و صفحات متعددة تهتم بحقوق الإنسان، وإلقاء الضوء و التعريف بالمسؤولية الإعلامية و الاجتماعية الملقاة على وسائل الإعلام التقليدية و الحديثة في تكريس مبدأ حقوق الإنسان لاسيما منها الحق في الوصول للمعلومة، في ظل الألفية الثالثة، و بمخرجاتها المتنوعة الجاد منها و الخفيف، الرسمية و الخاصة.
إلى ذلك ، تم خلال أشغال هذه الندوة التوقيع على اتفاقية شراكة بين الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية لناشري الصحف بالمغرب، كما تم توشيح صدور عدد من الحقوقيين والإعلاميين والأدباء بشارة “الأونيم” اعترافا بمجهوداتهم في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وتطوير مجال الصحافة والإعلام.