الأربعاء, 2 سبتمبر, 2020 بعد إسدال الستار على العطلة الصيفية الاستثنائية في فرنسا، يجري الدخول الجديد، سواء أكان سياسيا أو مدرسيا أو مهنيا، في سياق وباء غير مسبوق لم يقل بعد كلمته كاملة، مع تدعيم استثنائي للتدابير الصحية، في الوقت الذي تسجل فيه البلاد عودة نوعية لحالات الإصابة بعدوى “كوفيد-19”.
وبالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون، ستمنح “الأولوية” لـ “صحة الفرنسيين”، متحدثا عن إجراءات “واضحة” للدخول الحالي، مع دعوة المواطنين إلى “التعايش” مع الفيروس الجديد لتجاوز الأزمة.
“في المدرسة، في مقرات العمل، والأماكن العمومية: سيتم اعتماد قواعد واضحة في كل مكان قصد تمكين الجميع من استعادة الثقة”، هذا ما وعد به رئيس الجمهورية الفرنسية، الذي عقد مؤخرا مجلسا للدفاع، الأول في هذا الدخول، والمخصص لتنظيم استئناف الأنشطة بعد العطلة الصيفية في أفضل الظروف الممكنة، في سياق تطور الوضع الوبائي.
هكذا، قام مجلس الدفاع بتقييم مختلف البروتوكولات الصحية المعمول بها في الشركات، والمؤسسات التعليمية، ووسائل النقل، وكذا في التظاهرات الرياضية أو الثقافية. حيث تم تفصيل هذه الإجراءات لاحقا في أول مجلس للوزراء، قبل شرحها للفرنسيين من قبل رئيس الوزراء جان كاستكس.
وخلال هذا الدخول المليء بالتحديات، سيتعين على الفرنسيين تعلم التعايش مع تدابير جديدة، لاسيما إلزامية وضع الكمامة الواقية، في كل الأمكنة، بما في ذلك داخل المدارس والشركات.
وقد التحق أزيد من 12 مليون طالب بفصول الدراسة، أمس الثلاثاء في فرنسا، وذلك في إطار دخول مدرسي تم الإبقاء عليه حضوريا، على الرغم من تفشي وباء “كوفيد-19″، وهو القرار الذي لم يلق استحسان الجميع.
وقد تم استبعاد تأجيل الدخول المدرسي الذي اقترحته مجموعة من نقابات المدرسين وجمعيات أولياء التلاميذ، من طرف السلطة التنفيذية. وقال وزير التربية الوطنية بصفة حاسمة “لا، تأجيل الدخول المدرسي ليس خيارا”.
وقال جان ميشيل بلانكير، خلال المؤتمر الصحفي التقليدي للدخول المدرسي، إنه إذا كان من الصحيح أن هذا الدخول يبدو “خاصا للغاية بسبب الأزمة الصحية”، فإنه سيجري في ظل إجراءات صحية صارمة.
وفي المدرسة، سيكون ارتداء الكمامات الواقية إلزاميا لجميع البالغين دون استثناء. وبالنسبة للتلاميذ، سيكون إجباريا ابتداء من المستوى السادس. فحسب الوزير، سيكون “هذا هو القاعدة الأساسية لهذا الدخول”، مؤكدا أن وزارته تتوفر على الوسائل الكفيلة بإنجاح عملية الدخول. كما أعلن في هذا السياق عن الوسائل والإجراءات الإضافية التي تتيح مواجهة هذا التحدي الوازن.
هكذا، ستكون العودة لمقاعد الدراسة حضوريا، على الرغم من عودة تفشي حالات الإصابة بالعدوى. لكن يمكن أن تكون هناك “تعديلات محددة”، بناء على تطور الوضع، وذلك على مستوى مؤسسة تعليمية أو منطقة، وذلك بعد قرار المحافظين والسلطات الإقليمية للصحة. وفي حال إقرار تدابير هجينة (التعليم عن بعد إلى جانب التعليم الحضوري) أو الخضوع للحجر الصحي، أكدت الحكومة أنها مستعدة لجميع الاحتمالات.
ويبدو أن تعلم التعايش مع الفيروس الجديد، يشكل الفكرة المهيمنة للحكومة، التي تعتبر أنه يتعين استمرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في انتظار التوصل إلى لقاح من شأنه أن يضع حدا لهذا الوباء.
وتحرص السلطة التنفيذية، التي عقدت العزم على إنجاح هذا الدخول ذي التحديات الكثيرة، على “تجنب” فرض حجر صحي وطني جديد. هكذا، قال إيمانويل ماكرون “إننا نعمل كل ما في وسعنا من أجل تجنب إعادة فرض الحجر الصحي ولتفادي حجر صحي وطني”،مسجلا أنه لم يستبعد “تماما” هذه الإمكانية.
وصرح رئيس الجمهورية الفرنسية أمام صحفيين عن نقابة الصحافة الرئاسية “لم أكن لأتعلم الكثير مما عشناه لمدة ثمانية أشهر، لأخبركم أنني استبعد هذا الخيار تماما”. مضيفا “لكننا نجعل أنفسنا في وضع يسمح لنا بفعل كل شيء للحيلولة دون وقوع ذلك”، داعيا الفرنسيين إلى أن يتحلوا “جميعا بالصرامة”.
وما فتئ عدد حالات الإصابة الجديدة بفيروس “كوفيد-19” يرتفع في فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة، لاسيما لدى الشباب، حتى وإن كان عدد المرضى في الإنعاش يبقى مستقرا.
ومؤخرا، كانت المديرية العامة للصحة وهيئة الصحة العمومية الفرنسية، قد حذرا من أن الوباء يتقدم على نحو “توسعي” في فرنسا، مع آلاف حالات العدوى اليومية، ورصد الكثير من البؤر الجديدة. وفي الوقت الراهن، تم وضع 21 مقاطعة ضمن نطاق اليقظة الحمراء، وذلك بسبب تفشي نشط للفيروس.
من جانبه، أعرب رئيس الوزراء عن عزم الحكومة على تجنب فرض الحجر الصحي الشامل. وقد صرح جان كاستكس خلال مؤتمر صحفي خصص، مؤخرا، للأزمة الصحية “هناك كل الأسباب التي تدعو إلى الاعتقاد بأننا سنتجنب إعادة فرض الحجر الصحي، حتى لو كانت هناك حالات محلية لإعادة فرض الحجر الصحي”.
لكن فرض الحجر الصحي الشامل من جديد من شأنه الإجهاز على اقتصاد منهك أصلا. فحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، تهاوى الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي بنسبة 13,8 بالمائة في الربع الثاني من 2020، وذلك بسبب الحجر الصحي الذي تم فرضه في منتصف مارس وأوائل ماي من أجل تطويق تفشي وباء فيروس كورونا.
وحسب المعهد، إذا كان الرفع التدريجي للقيود قد أدى إلى “استئناف متدرج للنشاط الاقتصادي خلال شهري ماي ثم يونيو، بعد نقطة الانخفاض التي تم بلوغها في أبريل”، فإن هذا الربع يحمل ندوب الالتزام المفروض على الفرنسيين بالبقاء في منازلهم: فقد انخفض إنفاق الاستهلاك بنسبة 11,5 في المائة.
وبالتالي، فإن التحدي الثاني الذي سيتعين على الحكومة مواجهته خلال هذا الدخول الدقيق، هو إنعاش اقتصاد تضرر جراء أزمة فيروس كورونا.
ولهذه الغاية، فإن السلطة التنفيذية التي تتطلع إلى القيام على عامين بتسريع استئناف الأنشطة وتحويل الاقتصاد الفرنسي، المتضرر بشدة جراء الأزمة، تعتزم تقديم خطة انتعاش طموحة بقيمة 100 مليار يورو، والتي ستأتي لتنضاف إلى 460 مليار تم رصدها سلفا من خلال تدابير قطاعية ودعم الاقتصاد منذ بداية تفشي الوباء.
ووعدت الحكومة بأن “الأولوية الأولى لهذه الخطة هي إحداث أكبر عدد ممكن من الوظائف”. وهو التحدي الذي لن يتأكد إلا خلال الأشهر القليلة القادمة بالنظر إلى تطور الوضع. لكن الحكومة لا تزال واثقة من قدرتها على عكس منحى الوضع الراهن، على ضوء مضاعفة التصريحات المطمئنة ودعوة الفرنسيين إلى الاستعانة بالمدخرات المتراكمة في الأشهر الأخيرة قصد المساعدة على إنعاش اقتصاد البلاد.