تولي وسائل الإعلام الأمريكية اهتماما كبيراً بقضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي دخل قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية في الثاني من شهر اكتوبر/تشرين الاول 2018 وفقد أثره.
هذا الاهتمام يعكس حجم اهتمام الأوساط السياسية الأمريكية بهذه القضية. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آخر من أدلى بدلوه في هذه القضية وعبر عن انزعاجه من سماع خبر اختفاء اثر خاشقجي وتبعه وزير الخارجية مايك بومبيو.
وتزامن ذلك مع تعالي الأصوات في الكونغرس والاعلام الأمريكي والمطالبة باتخاذ موقف حازم من السعودية.
وجاءت أقوى التصريحات من عضو الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام الذي قال إن على الحكومة السعودية تقديم إجابات واضحة حول مصير خاشقجي و”إذا تبين أن الإدعاءات حول تورط السعودية في هذه المسألة فسيكون لذلك تداعيات مدمرة على علاقات البلدين وسيكون هناك ثمن باهظ لذلك”.
كما انضم عدد من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس إلى ليندسي وطالبوا الحكومة الأمريكية بأخذ موقف أكثر حزماً من السعودية وقال السيناتور بوب ميننديز “إن المجتمع الدولي يجب أن يتخذ موقفا موحدا ويتخذ إجراءات ضدها ردا على ذلك. يجب أن نعلي صوتنا ضد من يحاولون اسكات النشطاء والمعارضين والصحفيين في الدول العربية”.
وأعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس والتي تتمتع بنفوذ واسع، بوب كوركر، أنه اتصل بالسفير السعودي في الولايات المتحدة حول هذه المسألة وأضاف عبر صفحته على تويتر “ليعلم لجميع إن الولايات سيكون لها موقف من أي دولة تستهدف الصحفيين في الخارج”.
التايمز: أيام الأمير السعودي الشاب معدودة
شكوك قوية قديمة
وقالت صحيفة واشنطن بوست التي كان يكتب فيها خاشقجي مقالات رأي تناولت الأوضاع في بلاده، إن أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين لديهم شكوك قوية ومنذ فترة طويلة حول صلة السعودية بالتطرف والجماعات الإرهابية وانتقدوا الحرب السعودية في اليمن والأوضاع الداخلية السعودية.
وأوقف البيت الابيض قبل فترة قصيرة مساعي مجلس الشيوخ لوقف عقود أسلحة للسعودية التي تعتبر أكبر زبون للأسلحة الامريكية في العالم وأحد الأطراف الأساسية في مسعى البيت الابيض للضغط على إيران واقامة تحالف عربي- اسرائيلي في مواجهتها.
واضطر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى تقديم تأكيدات للمجلس بأن السعودية والإمارات تتخذان إجراءات ملموسة للحد من وقوع ضحايا في صفوف المدنيين في اليمن.
تمتد العلاقات السعودية الأمريكية على مدى أكثر من سبعة عقود من الزمن متشبعة وواسعة ولا يمكن لأي منهما أن يستغني عن الآخر بسهولة بسبب حاجتهما الماسة للبعض لكنها لم تكن دائما خالية من الأزمات والتوترات.
ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤولين سابقين في البيت الأبيض قولهم إن العلاقة الوثيقة التي تربط ترامب وصهره جاريد كوشنر بولي العهد السعودي محمد بن سلمان جعلت الأخير يشعر بأنه محصن ضد النقد والضغط الأمريكيين.
من هو جمال خاشقجي الذي شغل اختفاؤه العالم؟
ترامب لملك السعودية: “لن تبقى في السلطة أسبوعين دون دعم الولايات المتحدة”
عصر النفط
كان اكتشاف كميات هائلة من النفط في السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي من قبل الشركات الأمريكية بداية العلاقة بين الطرفين، وباتت السعودية أهم مصدر للنفط في العالم، وتم تتويج هذه العلاقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية.
وارتقت علاقة الطرفين إلى مرحلة الشراكة الفعلية في أعقاب لقاء الملك عبد العزيز آل سعود بالرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت على متن البارجة الأمريكية كوينسي في البحر الاحمر عام 1945. وكان أساس هذه الشراكة التزام أمريكا بالدفاع عن أمن المملكة مقابل ضمان استمرار تدفق النفط.
وقد واجهت هذه العلاقة أزمة حادة خلال حرب العربية-الاسرائيلية عام 1973 عندما فرضت الدول العربية المصدرة للنفط حظرا على تصدير النفط للولايات المتحدة والدول الغربية التي كانت تؤيد اسرائيل مما تسبب بأزمة كبيرة في الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية بسبب نقص امدادات النفط، وارتفعت أسعاره النفط عدة أضعاف. كما أجبرت هذه الخطوة الادارة الامريكية على إعادة النظر في كثير من الأمور وخاصة في ما يتعلق بالصراع العربي- الاسرائيلي .
أعيدت الحياة إلى التحالف الأمريكي-السعودي في أعقاب الغزو العراق لدولة الكويت 1990 والذي أثار الخوف في دوائر الأسرة المالكة السعودية من سياسات صدام حسين ومغامراته، فتدفق عشرات آلاف الجنود الأمريكيين ونشرت مئات الطائرات المقاتلة والمدرعات في المطارات والقواعد السعودية التي انطلقت منها واخرجت الجيش العراقي من الكويت وفرضت على جنوبه العراق وشماله حظرا جويا.
بن سلمان يرد على ترامب: ندفع ثمن كل مشترياتنا من السلاح الأمريكي أولا بأول
هجمات سبتمبر
في 11 سبتمبر/أيلول 2001 قام 19 شخصا من أعضاء تنظيم القاعدة بينهم 15 سعوديا بخطف أربعة طائرات ركاب أثناء قيامها برحلات داخلية صدموا اثنتين منها ببرجي التجارة العالمي والثالثة بمبنى وزارة الدفاع بينما سقطت الرابعة في منطقة خالية وقتل جميع من كان على متنها.
زقد تغير العالم برمته إثر هذه الهجمات التي أسفرت عن مقتل 3 آلاف شخص، فغزت الولايات المتحدة أفغانستان بعد ذلك بفترة قصيرة والعراق عام 2003 ودشنت ما بات يسمى بــ”الحرب على الإرهاب”، لكن بدلا من القضاء عليه أدى الغزو الامريكي لأفغانستان والعراق إلى نمو الجماعات المتطرفة وانتشار أعمال العنف على نطاق أوسع.
ورغم إدانة السعودية لهجمات سبتمبر وتعرضها أيضا لهجمات دموية من قبل تنظيم القاعدة وتعاونها الوثيق مع واشنطن في هذه الحرب، لكن شرخا أصاب علاقات البلدين وحتى الآن لا تزال تبرز بين الفينة والأخرى اتهامات للسعودية بدعم الجماعات المتطرفة وتمويلها بطرق مختلفة.
وسحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من السعودية وباتت قاعدة “العديد” القطرية مركز القيادة الوسطى للجيش الامريكي ومنها تنطلق حاليا الآن الطائرات الأمريكية المقاتلة لشن غارات على مواقع تنظيم “الدولة الاسلامية” في سوريا.
مصير جمال خاشقجي فصل جديد في أزمة العلاقات التركية-السعودية
مرحلة جديدة
مع وصول الرئيس الامريكي باراك أوباما إلى الحكم أعادت أمريكا النظر في العديد من سياسة ادارة الرئيس جورج بوش في الشرق الأوسط، فأسرعت بسحب القوات الأمريكية من العراق وتخفيض عددهم في افغانستان ورفضت التدخل العسكري في الصراع السوري وفتحت قنوات التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي في إطار مجموعة خمسة زائد واحد.
أعربت السعودية والامارات واسرائيل عن معارضتهم الشديدة للاتفاق النووي الايراني الذي تم التوصل إليه عام 2015. ورأت السعودية أن الاتفاق والذي تم بموجبه رفع العقوبات عن إيران وتحرير عشرات المليارات من أرصدتها المجدة، قد أطلق يد طهران لنشر القلاقل والعنف في دول المنطقة مثل العراق وسوريا البحرين و اليمن وغيرها.
رأت إدارة أوباما أن الولايات المتحدة لا يجب أن تكون طرفا في التنافس الاقليمي بين السعودية وإيران بسبب اكتسابه بعداً طائفياً متناميا، مما ينذر بتأجيج الصراع بين السنة والشيعة وهو صراع ذو عواقب كارثية في منطقة تعاني اصلا من أزمات لا حصر لها.
تنفس الصعداء
تنفست السعودية وحلفاؤها الصعداء لدى فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2016، إذ انتقد الاتفاق النووي أثناء حملته الانتخابية وتعهد بالخروج منه لدى وصوله إلى البيت الأبيض وهو التهديد الذي نفذه فعلاً وأعاد العمل بالعقوبات الأمريكية على إيران وتهدد واشنطن جميع الدول التي تتعامل مع ايران بمواجهة عقوبات أمريكية غير مسبوقة.
وكانت السعودية أول بلد يزوره ترامب بعد أشهر قليلة من وصوله للبيت الابيض وتم التوصل إلى تفاهات وعقود بقيمة 380 مليار دولار، من بينها عقود بقيمة 110 مليار دولار لشراء اسلحة امريكية أثناء هذه الزيارة، وسط تصعيد أمريكي وسعودي ضد ايران.
وكتب توماس فريدمان منذ أيام قليلة في صحيفة نيويورك تايمز أن عدداً من مستشاري ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد أقنعوا الأمير الشاب باتخاذ خطوات كانت غير موفقة تضر به شخصيا وبالسعودية وبالولايات المتحدة، وذلك بالسير على خطا الصين في تعاملها مع الموقف الدولي عندما احتلت جزر بحر الصين الجنوبي وعندما ارتفعت الاحتجاجات الدولية على هذه الخطوة ردت الصين بلغة تصعيدية وحزم مما أجبر الدول التي احتجت على التراجع.
وأضاف إن الأزمة التي نشبت مؤخرا بين السعودية وكندا خير مثال على اتباع السعودية هذا النهج، حيث كان ردها قويا ومبالغا فيه وصل لدرجة قطع العلاقات مع كندا، فقط لأنها انتقدت أوضاع حقوق الانسان في السعودية. وختم فريدمان عموده في الصحيفة بالقول: “السعودية ليست الصين، هي بحاجة للأصدقاء. عليها أن تسير على خطا دبي وليس شنغهاي، هي بحاجة للقوة الناعمة ولغطرسة أقل”.